بعين واحدة.. جورجي مينونغو يصنع المعجزة
الاثنين 29-12-2025

في عالم كرة القدم، حيث تُقاس المسيرة غالبًا بعدد الأهداف والألقاب، تظهر أحيانًا قصص تتجاوز المستطيل الأخضر لتلامس جوهر الإنسان، قصة نجم منتخب بوركينا فاسو جورجي مينونغو واحدة من تلك الحكايات النادرة، التي تحوّلت من مأساة طبية إلى ملحمة إصرار، ومن اعتزال قسري إلى عودة صنعت الفارق في كأس أمم إفريقيا 2025 المقامة حاليًا في المغرب.


مينونغو، لاعب نادي سياتل ساوندرز الأمريكي، لم يكن مجرد موهبة صاعدة توقفت بسبب الإصابة، بل شابًا وجد نفسه فجأة أمام نهاية مبكرة لحلمه. في صيف 2023، أعلن الأطباء رسميًا انتهاء مسيرته الكروية بعد تشخيص إصابته بمرض نادر تسبب في تلف خطير بعينه اليسرى، لتبدأ واحدة من أصعب الفترات في حياته.


وتعود فصول المعاناة إلى مطلع عام 2023، خلال استعداداته للموسم الجديد في الدوري الأمريكي للمحترفين، حين تعرّض لإصابة غامضة في العين اليسرى تطورت بسرعة، ومعها تزايد الغموض والخوف، ورغم المحاولات الطبية المتكررة، ساءت حالته خلال المعسكر التحضيري، ليخضع لجراحة عاجلة انتهت بقرار صادم: لا كرة قدم بعد اليوم.


لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد، ففي مطلع عام 2024، خضع مينونغو لعملية جراحية جديدة أفقدته البصر نهائيًا في عينه اليسرى، ورغم قسوة الواقع، اختار اللاعب تحدي المصير، ووقّع عقدًا جديدًا مع سياتل ساوندرز، مؤمنًا بأن النهاية التي رسمها الأطباء قد لا تكون الكلمة الأخيرة.


وجاء عام 2025 ليحمل التحول الأكبر، في يونيو الماضي ، شارك مينونغو في كأس العالم للأندية، ووقف وجهًا لوجه أمام باريس سان جيرمان، حيث التقى قدوته عثمان ديمبيلي في لحظة إنسانية مؤثرة، شكّلت رمزًا لانتصاره الشخصي على الألم والخوف.


ومع تصاعد الاهتمام بقصته عالميًا، تلقى مينونغو أول استدعاء رسمي لمنتخب بوركينا فاسو في سبتمبر، ضمن تصفيات كأس العالم 2026، وبعد شهر واحد فقط، دوّن اسمه دوليًا بتسجيله هدفين في مباراة ودية أمام بنين، ليؤكد أن عودته لم تكن مجرد قصة عاطفية، بل مشروع لاعب قادر على صناعة الفارق.


الذروة جاءت في كأس أمم أفريقيا 2025، خلال مشاركته الأولى في البطولة القارية، دخل مينونغو بديلًا أمام غينيا الاستوائية، وسجّل هدف التعادل في الوقت بدل الضائع من أول لمسة، قبل أن يصنع هدف الفوز (2-1).


بعيدًا عن الأرقام، ظل الإيمان هو السلاح الأقوى في رحلة مينونغو. لم يُخفِ اللاعب يومًا اعتماده على الصلاة ورسائل الأمل، مؤكدًا أن القوة الذهنية كانت مفتاح تجاوزه لأقسى لحظات الانكسار.


وفي جملة تختصر رحلته، قال مينونغو:"لا أرى بعيني اليسرى، لكنني قادر على أن أكون أفضل من كثيرين يرون بكلتا العينين ".


هكذا، لم تعد قصة جورجي مينونغو مجرد عودة لاعب من الاعتزال، بل تحوّلت إلى درس إنساني بليغ، يثبت أن كرة القدم ليست فقط لعبة، بل مساحة لإعادة كتابة المصير عندما تتسلح الموهبة بالإيمان والعزيمة.

المباريات
الفيديوهات
الأخبار
الترتيب
الإنتقالات
الإعدادات